جمال ماضي يكتب: العطاء الوجداني للأبناء .
إن لأبنائنا حاجةً إلى الحب والحنان؛ فمن حق فلذات أكبادنا على الآباء والأمهات الاهتمام بسقايتهم الدائمة بالحب والحنان، مهما كانت شواغل الحياة من حولنا، فلا يُعقل أبدًا التفريط في هذا الجانب الذي هو أعز أمانة في أعناق الآباء والأمهات، والأطفال قد هيأهم الله لهذا العطاء من أجل بنائهم البناء السليم.
وقد اكتشفوا حديثًا أن هذه الحاجة موجودة لدى الجنين وهو في رحم أمه، فقد توصل الباحثون- بالاستعانة بصور التقطت بالموجات فوق الصوتية وسجلت بالفيديو- إلى أن مجموعة من الأجنة في الفصل الثالث من عمرها، أظهرت دليلاً على “سلوك بكائي”؛ استجابةً لضوضاء منخفضة تمَّ إحداثها على بطن الأم، وكذلك في الرضَّع.
فقد لاحظ عالم النفس الأمريكي “ستينلي غريتسبان” في أبحاثه على الرضَّع الذين يعانون من إهمال الأبوين لسبب أو لآخر أن هؤلاء الرضَّع يبدءون منذ الشهور الأولى بالنظر إلى وجوه الأشخاص الذين يعتنون بهم، ويبدءون بالإنصات إليهم ومحاولة الابتسامة والتواصل معهم، ولكن عندما لا يجدون تجاوبًا أو تفاعلاً من هؤلاء الأشخاص فإنهم وخلال أسابيع قليلة يفقدون الاهتمام بمحيطهم، وتقل حركتهم، حتى إن بعضهم يفقد القدرة على تحريك رءوسهم.
واستنتج العلماء أن تطور الطفل الجسدي والحسي والعاطفي يعتمد على الأسابيع والشهور الأولى من حياته، فإذا وجد الطفل في هذه المرحلة المبكرة من يهتمُّ به ويتفاعل معه عاطفيًّا فسيزداد اهتمامه بالوسط المحيط به، وهذا الاهتمام سينمِّي قدراته الحركية والسمعية والبصرية والعاطفية وحتى إمكانياته العقلية.
راحة وأمان
فعندما يسمع الطفل الباكي صوت أمه يهدأ؛ لأن صوتها يشعره بالراحة والأمان، وعندما تحمله بين ذراعيها يشعر بسعادة غامرة وتزداد سعادته عندما تضمه إلى صدرها الدافئ، وتنظر إلى وجهه بعينين يملؤهما الحب والاهتمام، وفي أثناء ذلك يصغي إلى صوتها وهي تكلمه وتناغيه ويرد على ابتسامتها بابتسامة مقابلة، وقد يرفع يده ويتلمس عنقها ووجهها.
إن إحاطة الطفل بجوٍّ من الحب والعطف والحنان يغري حواسه الناشئة بالانخراط في العالم المحيط به، وهكذا تنمو هذه الحواس.
إن أكثر الأمور إثارةً فيما يتعلق بحاجة الطفل إلى التفاعل العاطفي منذ أسابيعه وشهوره الأولى؛ هو أن العلماء يعتقدون اليوم أن الطفل عندما يتلقَّى المعلومات بواسطة حواسه فإنه يتفاعل معها عاطفيًّا (كأن يشعر بالفرح عند سماع صوت أمه أو بالانزعاج عند سماع صوت غريب).
العطاء الوجداني أهم من الأكل والشرب واللعب
إن الطفل يحتاج إلى كثير من الحب والحنان والاهتمام في هذه المرحلة الحساسة، وبما أن هذه المشاعر لا يمكن تأمينها في بيت يملؤه الشقاق والخصام؛ نستطيع أن ندرك الآن أهمية تحقيق علاقة زوجية قائمة على المودة والرحمة، ليس من أجل سعادة الزوجين فقط، وإنما لتأمين جوٍّ عاطفي يخرج أطفالاً أسوياء.
ولذلك ينصح التربويون الآباء والأمهات بتخصيص ساعة يوميًّا لهذه العطاء الوجداني مع أطفالنا، مثل: ملاعبتهم والامتزاج معهم، والاختباء، والزحف على الأرض، فهذه ما وصلت إليه البحوث في تنمية ذكاء الطفل وشخصيته.
مهما وفَّرنا للأبناء من أكل وشرب وألعاب تنمِّي الذكاء، فلن نعوِّضهم عن العطاء الوجداني المباشر، من أن نتحدث إلى الطفل ونحاوره ونمارس معه كل أنواع التفاعل العاطفي، فما قيمة ساعات يقضيها الطفل مع دمية ولعبة بمقابل ساعة يقضيها بروحه وحيويته مع أمه أو أبيه؟!