ضرورة إعطاء الأطفال حرية التعبير عن أنفسهم
صبي وفتاة أصمان استطاعا الكلام بإحدى مدارس الصم والبكم بإمارة دبي.. هكذا أعلن المدرسون قبل أن يكتشفوا أن الطفلين غير معاقين، ولكن حالة البكم المؤقتة التي أصابتهما نتجت عن تربية قاسية لأب منعت الحوار في البيت ونتج عنها خرس طفليه.
ويحث الإسلام على احترام رأي الصغير، وروي عن سهل بن سعد الساعدي: (أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام: “أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟” فقال الغلام: لا والله، لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده) (الصحيحين).
ويشدد علماء تربية الأطفال على أهمية تمكين الطفل من التعبير الكامل عن ذاته وآرائه وفتح قنوات التواصل أمامه مع الآخرين للتفاعل معهم، ما يجنب المجتمع كله مشكلات قد تتسبب لاحقًّا في أخطار شتى، وفي مقدمتها:
1- فقدان الطفل الثقة في نفسه:
يمتلك كل الفرد قدرة على الاحتفاظ بنظرة إيجابية نحو نفسه، لكن كثرة المواقف التي يتم فيها النفخ ضد جذوة الثقة تؤدي إلى خفوتها في نفسه، وتذكر الإحصائيات أن الأبناء يتلقون خلال الثمانية عشر عامًا الأولى حوالي (149400) رسالة سلبية؛ مقابل (600) رسالة إيجابية فقط. لذا فكثرة التوبيخ والتقريع تكسر عصا الثقة في يده، فالطفل قد تعود على عدم الاستماع له، وتسفيه والديه لآرائه، وكأنه كم مهمل أو شيء ضبابي لا وجود له في الأسرة، والتربية الصارمة جعلت منه مجرد آلة لتنفيذ الأوامر وإطاعتها بدون أي مناقشة تذكر.
2- ضعف الانتماء للأسرة:
وهي ظاهرة نفسية تعبر عن حالات الحياد العاطفي السلبي التي تنتاب الطفل، وهو الشعور الطبيعي لما يحدث من تربية صارمة خاطئة، يشعر فيها الفرد بدونيته داخل أسرته وبيته، مما يولد لديه نفورًا من أفراد أسرته، وعدم قدرة على التعامل معهم أو تقبلهم؛ نتيجة لرفضهم آراءه، أو كبتهم المبالغ فيه لميوله وتصرفاته، مما يضعف شعوره العام بانتمائه لأسرته، ويفقد والديه المكانة التربوية التي يجب أن يكونا عليها لكي يؤثروا فيه ويصبحا قدوة له، مما يجعله خارج سيطرة الأسرة، ويجعل الطفل حانقًا على هذا الوضع، ما قد يؤدي لانفجار هذا الغضب ناحية المجتمع كبديل عن الأسرة، مما يجر على الأسرة الكثير من المشكلات.
3- الانطوائية والعزلة:
وهذه هي النهاية الحتمية لكل تلك التصرفات، فالأنا لدى الطفل محجور عليها لا تفصح عن مشكلاتها ورغباتها، والطفل يشعر أنه غريب داخل أسرته، الكل يعنفه ويمنعه من التكلم بحرية، فيؤدي ذلك إلى إمكانية حدوث مشكلات في النطق لديه من تلعثم وخلافه، مما يشعره بالحرج أثناء الحديث والتفاعل مع الناس، فيجنح للعزلة والبعد عن الناس.
4- ضعف التحصيل الدراسي:
إن تفهم المعلم والوالدين لأسئلة الطفل واحترامها ومناقشتها، وتقدير ابتكاره وعدم اعتباره خطأً فنيًّا في مجالات استمرارها وتقويمها، يساعد كثيرًا في تنمية مدارك الطفل. والعكس صحيح، فالمنع والكبت والتضييق على الرأي يؤدون لعكس ذلك، يؤثر ذلك كله على مستوى الطفل الدراسي بشكل عام.
ولا ننسى بالطبع حال مناهجنا التعليمية التقليدية الجافة والتي تخلو من أي فرصة للتعبير عن الرأي أو الحوار، فتجعل تلك المناهج المعلم هو المتحدث الرسمي داخل الفصل، نضيف إلى ذلك قواعد الحوار التي يضفيها المدرس للموقف، من ضرورة استئذان رسمي، وعصا غليظة للعقاب؛ كل ذلك يجعل الطفل يحجم عن المشاركة وإبداء رأيه.
موانع حرية التعبير
1- موانع داخلية (جسدية/ نفسية):
وهي ترتبط بالطفل نفسه، فقد يكون أصم، أو يعاني عيوبًا في النطق؛ مما يجعل تواصله مع الآخرين صعبًا، فلا يستطيع إيصال ما يريده لمن حوله بسهولة. وكذلك الحال بالنسبة للضعف الجسماني، ونقص التغذية بشكل عام، فيؤثر ذلك على الحصيلة اللغوية للطفل، نتيجة لعدم قدرته التفاعل بشكل سليم، وكامل مع من حوله.
وقد يرجع السبب المانع للحرية لأسباب نفسية، فقد يتعرض الطفل لمشكلات نفسية تؤثر على سلوكه، وتجعله أكثر عنفًا، أو انعزالية عمن حوله، مما ينعكس سلبًا على قدراته الذهنية واللغوية والتعبيرية، ومثال على ذلك مشكلة إبعاد الطفل عن أمه منذ الصغر.
2- موانع خارجية (اجتماعية/ تربوية):
وقد تشكل العادات والتقاليد حاجزًا يحد من حرية التعبير، مثل الفتاة التي تصمت عند قدوم خاطب لها، مما قد يؤدي لفشل الحياة الزوجية برمتها فيما بعد.
وقد تكون التربية داخل الأسرة كما ذكرنا من قبل معوقًا لحرية التعبير، فالأسرة هي مركز التدريب الأول للطفل على حرية التعبير، فإذا كانت العلاقة السائدة داخل الأسرة هي علاقة القائد بالجنود (نظام عسكري).. فماذا نتوقع؟
طرق التعبير عن الذات
1- طفلي مشروع حياتي:
تعامل مع ابنك على أنه (مخترع صغير)، أو (عبقرينو في بيتك)، تعامل معه على أنه (مشروع حياتك)؛ الذي يحتاج إلى مثابرة ومجهود حتى ينجح ويؤتي ثماره. وتلك أهم عقبة تواجه أي والدين في تربيتهما لأطفالهما، فكثير من أطفالنا يولد ولديه جذوة العبقرية تتقد في ذهنه، ولكننا نطفئها بتعاملنا بازدراء وسوء معاملة لأفكاره وأطروحاته، فالوالدان يعتبران أن طفلهما ما زال صغيرًا، مما يعطيهما حق الوصاية عليه، ونسيا أو تناسيا أن هذا المخلوق له عقل وروح يحتاجان إلى أن ينشطا ويعملا حتى يصل إلى الاستقلالية الحق التي ينشدها أي مربٍ لمن يعمل على تربيتهم.
2- الاستماع والإنصات منذ الولادة:
وهذا يبدأ منذ اللحظات الأولى في حياة الطفل، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن إبداء الأم اهتمامها بوليدها في الأسابيع الأولى من ولادته، تجعله يسرع في عملية المناغاة والتآلف مع أمه. فالطفل يحتاج إلى أذن تسمع، ولسان يحاور، لا تعليمات وأوامر.
وليحرص كل أب وأم على الإجابة عن جميع أسئلة أطفالهم- بما يتناسب وقدرة عقولهم ومرحلتهم السنية-، فأسئلتهم تلك هي فاتحة التعلم وعنوان لذكائهم وتزكية له، وكذلك يجب على الوالدين تشجيع التحدث وطلاقة الأفكار بين أفراد الأسرة الواحدة، فكل ذلك يؤدي لذكاء أطفالنا وجدانيًّا وعقليًّا.
3- افتح العنان لخيال طفلك:
حاول ألا تكون سلبيًّا في طريقة تعاملك مع خيال طفلك، فإذا فجاءك طفلك بتعامله مع علبة اللبن على أنها سيارة، لا تصدمه وتبدي رأيك الواقعي بأنها مجرد علبة لبن، وعليه أن يضعها في سلة المهملات، بل حاول أن تشجعه على التصور والخيال، فهذه مشكلتنا حين نريد أن نلعب مع أطفالنا لا بد لنا أن نوجه ونقرر!
4- تغافل عن أخطائه:
إذا كان الكبار يتعلمون بعض الأشياء بالقراءة فقط، فالأطفال يتعلمون كل شيء بالعمل والممارسة، لذلك إذا كنا دائمًا نعاتبه على أخطائه فكأننا نعاتبه على التعلم.
5- بنك الأفكار:
احرص على المناقشة والحوار بين أبنائك دائمًا، وعلمهم طرق متعددة لحل المشكلات، وإذا واجهت الأسرة مشكلة، فليجلس الجميع لمناقشتها ومحاولة حلها، وحاول تخصيص يوم في الشهر (يوم التفكير والحوار)، وضع أمامهم بعد المشكلات، واترك لهم حرية إيجاد الحلول من خلال التحاور فيما بينهم، وحاول أن تخصص مكان لافت في البيت وضع عليه تلك الأفكار الخاصة بأطفالك، وسمه (بنك الأفكار).
6- تعزيز الإيجابية لدى الأبناء:
وهذا هو الهدف من تربيتنا لأبنائنا وهو زرع الايجابية وروح المبادرة في نفوسهم منذ الصغر، وسيبدأ هذا منكما- أي الوالدين.
– حاولا المناقشة حول أمور تخص البيت بهدوء وتبادلا المناقشات أمامهم منذ الصغر ليتعودا على المناقشة والحوار.
– أشركا أطفالكما في إدارة أمور البيت، واجعلا كل واحد منهم- كل فترة- وزير مالية البيت لمدة أسبوع.
– دربا أطفالكما على الشورى، وعودوهم على المشاركة في صنع القرار، وشجعوهم وحاولا أن تخففا من بسط سلطاتكما ونفوذكما عليهم.
– حاولا أن تشركوهم في أعمال تطوعية وخدمية لمجتمعهم منذ الصغر.
– علما بقلم أحمر على أخبار معينة في الجريدة، ثم اتركاها لفضولهم، ستجدونهم يقرءونها ويناقشونكما فيها.
7- تنمية التواصل الاجتماعي للأبناء:
تواصل طفلك مع من حوله وفي سنه له فوائد نفسية وعقلية وجسمية وروحية، تنعكس على توازن نمو شخصياتهم، وهم في طور النمو، لذا حاول أن تشجع أطفالك على عقد صداقات مع من حولكم من الأقارب والمعارف حتى تكون مطمئنًا على نوعية، وطبيعة تلك الصداقات، مع ترك الحرية للطفل لكي يختار صديقه، والاطمئنان على حسن اختيار الطفل للصديق.
من المهم أن يُغرس في الطفل منذ صغره أن للحرية ضوابط وحدود (حرية بلا حدود = فوضى)، وأن الحرية دائمًا ما تقترن بالمسئولية، فحرية الفرد تنتهي عندما تتعارض مع مبادئ الإسلام وثوابته وأخلاقه، وعندما تبدأ حرية الآخرين.
بقلم: معتز شاهين