من أكثر ما يثير الفوضى والانفعال في بيوتنا هو الشجارات المستمرة للأبناء وما يتبع ذلك من جدالات طويلة ومشكلات ودراما منزلية وتوعد، ورغم أن الأمور غالبًا ما تكون بسيطة ويمكن التعامل معها فإن تكرارها يظل محبطًا ومهدرًا لكثير من الوقت والجهد والحب.
ومن ثم علينا ونحن نريد أن نتعامل مع هذه الظاهرة الطبيعية والمستمرة في بيوتنا أن نعرف أولاً مسبباتها ثم نبدأ بالحلول:
أسباب شجار الأطفال
الملل.. كثيرًا ما يدفع الطفل لتحريك الماء الراكد في البيت! نعم هذا صحيح.. كثيرًا ما يكون السبب فقط أنهم أو أحدِهم يشعر بالملل.. وكما يقال: “الجندي العاطل مشاغب”.
الغيرة ولفت الانتباه.. من أحد الوالدين أو كليهما وتكون تلك إستراتيجيته لجذب مزيد من اهتمامهم ورعايتهم له وإن كانت سلبية!، وهو يرسل بهذا رسالة إلى الوالدين واضحة ومدوية يطلب بها الحب والاهتمام.
طاقة زائدة.. فطفل بين أربعة جدران ثم إلى المدرسة أو الحضانة بقواعدها التي لا تنتهي و.. اسمع.. اكتب.. اصمت.. توقف.. أجب.. تحرك في الطابور.. وطاقة لا تفرغ بل تشحن.. ثم يعود للمنزل بمزيد من الواجبات وإلى المزيد من الأوامر والمحاذير، ثم بوووووووووووم شجار من حيث لا ندري!.
محاولة التواصل على قدر ما.. قد يكون هذا غريبًا بالنسبة لنا فهو كثيرًا ما يكون صحيحًا بالنسبة للأطفال.. فهو يسعى لجذب والتفاهم مع آخر، ولكنه لم يتعلم الأسلوب الصحيح بعد أو أنه قوبل بالإهمال أو الرفض فيكون الشجار.
محاولة القيادة.. قيادة موقف أو لعبة أو مجموعة من الأطفال، وطبعًا تلك مهمة صعبة جدًّا عليه، وكثيرًا ما يحولها إلى شجار وغالبًا ما يكون الشجار على آراءٍ متباينة.
عند الشعور بالضعف.. أو عدم الثقة بالنفس والرغبة في اكتساب شعور بالقوة وإثباتها؛ فإن الطفل يلجأ إلى قبضته كمحاولة أخيرة لاكتساب القوة التي يحتاجها من داخله وغالبًا ما يكون شديد العنف.
الغضب أو الظلم (كما يراه هو).. لأن الطفل لم يعتد أو يتعلم بعد أسلوب النقاش والحوار لتحقيق المآرب فإنه يلجأ فورًا أيضًا عند الغضب أو الشعور بهضم حقه إلى العنف ومحاولة استرداد ما يريد بالقوة.
يلعب أو يجرب.. ولا يقصد أي إيذاء من أي نوع، ولكنه مندفع بعض الشيء، وعلامة ذلك أنه يشعر غالبًا بالندم بعدما يرى أثر ما فعل.
نموذج سلبي.. فحين يرى الطفل نموذجًا قريبًا مثل الأم أو الأب أو المدرس يلتمس العنف اللفظي أو المادي كأسلوب في الحياة، فإنه غالبًا ما يحاكي هذه الطريقة ويجربها كثيرًا.وجود مشكلة.. أو أزمة منزلية أو تعليمية أو صحية أو عاطفية، لا بد أن يتسبب في انفلاته مع أحد ما بالشجار في وقت ما.
الإستراتيجيات الثلاث
التجاهل.. وتستخدم هذه الإستراتيجية عند عدم إمكانية وقوع أذى حقيقي ولترك مساحة كافية لهم ليتفاهموا، ولا يكون ذلك إلا بعد إرساء قواعد وتدريبهم عليها، مثل قاعدة: “ما نتشاجر عليه لا يناله أحد مهما كان السبب”.
التدخل الفوري.. عند وجود إمكانية ولو بسيطة لتأذِّي أحد ما أو شيء ما، أو عند الخروج عن المقبول لفظاً أو فعلاً، أو عند الطغيان الواضح لأحد الأطفال وانكسار الآخر.
المراقبة والتوجيه عن بعد.. مثلاً حين يكونون من سن متباعدة أو ذوي طبائع مختلفة تمامًا.. فنمهلهم بعض الوقت لنراقب كيف يتفاهمون، ثم نبدأ بالتفاهم مع كل فرد على حدة ومساعدته في تخيُّل موقف الطرف الآخر ومشاعره وتدريبه على حسن التعبير عن رغباته ومشاعره، والطريقة الصحيحة للوصول إلى ما يريد وما هو المقبول وغير المعقول في العلاقات الإنسانية، وبخاصةٍ الأخوية.
احذروا
الصراخ.. أو الحديث عبر الغرف أو المسافات الطويلة؛ لأنها غالبًا لا تأتي بنتيجة تذكر ولكنها تزيد من حدة غضبنا؛ لأن الأطفال نادرًا ما يستجيبون ثم نبدأ باستخدام أسلوب التهديد ثم.. وثم يسوء تصرفنا!.. ولكن لنتحرك إلى مسرح المشكلة ثم لنتصرف بأقل جدال ممكن وبفاعلية.
زرع مفهوم الانتقام بدون قصد.. ويكون ذلك عن طريق أن يكون رد فعلنا الدائم على غرار “اضرب أخوك كما ضربك” أو “سأضربك كما ضربت أخيك”، ورغم أن العقاب مطلوب لكن حين يكون بهذه الطريقة وبهذه الروح فإنه يزرع في الطفل مفهوم الانتقام واضحًا غير قابل للمرونة ولا التسامح حين يكبر!.
زرع مفهوم التنازل عن الحق أو الضعف.. فأحيانا نفعل عكس النقطة السابقة.. نداوم على الطلب من طفلنا أن يتنازل عن حقه ويسامح من ضربه، خاصةً إن كان مع الأقارب أو بين أصدقاء النادي وذلك أيضا خطأ؛ لأن الطفل لن يفهم حين يكون لدينا ردان للفعل على نفس الموقف.. فحين يَضرب هو أو يضربه أخوه في المنزل يجد عقوبةً، وأحيانًا أخرى يجد منا بسمة مستحية وتنازلاً!!.. إن اتخاذ موقف والتعبير عنها ولو بشكل مبسط ومرح حتى لا يستاء الأقارب مثل “أخخخ.. يا أطفال هذا غير مقبول.. (بغير تحديد).. هذه فرصة أخيرة.. أحسنوا اللعب مع بعضكم وإلا.. (ابتسامة حازمة)” ثم الجلوس مع إظهار أننا نراقبهم لدقائق.
العقوبات.. إلى أين؟
إن دوام استخدام أي عقوبة مهما كانت عبقرية تفقدها هيبتها؛ لذا علينا أن نركز أن تكون هناك مكافأة غير متوقعة لحسن التعاون والتفاهم بينهما في صورة هدايا أو رحلة محببة أو…، كما علينا ألا نزيد للخطأ الواحد عن عقوبة واحدة متغيرة بعض الشيء كل مرة.. ولنفكر فيها مليًّا لأنها لا يجب أن تتغير بعد صدورها منا أو تزداد.. ولكن يمكن أن تتعدد إن تعددت آثار ما بعد الشجار، فالضرب مثلاً خطأ له عقوبة، كما أن إتلاف ما لا يخصنا له عقوبة أخرى، غالبًا ما تكون بتعويضه أو غير ذلك مما يتراءى لنا وقتها.
خطوات عملية
* التقط أنفاسك.. اهدأ.. قرر ما ستفعل بالضبط.. ثم تحرك
* افصل بينهما أولاً.. ثم انزع ما يتشاجرون من أجله (إن وجد).
* لا تسأل ما الذي حدث، سيفتح ذلك بابًا لا ينتهي من الجدال؛ بحيث يطغى على الخطأ الأكبر وهو الشجار.. ولكن أخبرهم أن يذهب هذا هنا وهذا هناك ثم قل لهم: “سنتحدث عما حدث بالتفصيل لاحقًا”.
* خذ رد فعل فوريًّا “تعلمون أن هذه الطريقة في التفاهم لا تصلح ولا تصح.. لقد أحبطتموني كثيرًا بتصرفكم مهما كانت الأسباب.. كلاكما سيحرم من مشاهدة التلفاز نصف الوقت المحدد أصلا له”.. إن توحيد العقوبة سيقرب بينهم في آخر الموقف.
* في السن الصغير (دون الثلاث سنوات) احتضِن المعتدى عليه وأنت تجلس في مستواهما قريبًا من الاثنين، وعبِّر عن ألم كل منهما للآخر واطلب من المعتدى عليه أن يقول للمعتدي: “كان هذا خطأ لقد آلمتني.. خطأ.. خطأ” واشغلهما بلعبة أخرى والعب معهما لبعض الوقت.. والعقوبة لا تكون إلا بالفصل والعزل لدقائق ثلاث أو الحرمان اللحظي من مشاهدة كارتون كان يشاهده في هذا الوقت لدقائق أيضًا.
* تحدث إلى كل منهم على انفراد.. كن حازمًا ولكن غلف حديثك كله بالحب في اللمسات على الكتف واليد والنظرات والتعبير عن الحزن مما حدث، ولا يجب أبدًا أن نشعره أن هذا هو المتوقع منه لدوام إساءته.. ذلك حتمًا سيزيده سوءًا.
* استمع جيدًا حتى ينتهوا ثم تحدث.
* استخدم حديث أنا بدلاً من أنت.. “أنا كنت أتوقع منك مزيدًا من الاحترام” بدلاً من “أنت لم تحترم نفسك ولا الآخرين”.
* اتفقا معًا على خطة لضبط النفس وتعويض ما حدث.. ليكن الكلام بصيغة.. “نريد أن”.. لا.. “يجب عليك”.
خطوات للمستقبل
– الدقة في تحري العدل بين الأبناء، وإظهار ذلك لهم، والتأكد أنهم يعلمون أنهم جميعًا سواسية في الحب والفخر بهم من جهة أبيهم وأمهم على السواء.
– البحث عن المسببات الرئيسية لشجار كل طفل على حدة؛ لأنهم مهما بدا غير ذلك مختلفون كليًّا.
– كثرة الحديث معهم ومساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم بشكل دائم.
– تدريبهم على طرق التصرف في حال أثار أحد ما غضبهم أو استياءهم وتوضيح الخيارات المتاحة ومنها الشجار طبعًا وإظهار مميزات وعيوب كل منهم.
– الانتباه.. الانتباه.. الانتباه لكيفية إدارتنا نحن “الأم والأب” لخلافاتنا أمامهم، سواء ألفاظنا أو تعبيراتنا أو دفعنا للأبواب والأشياء وغير ذلك.
– الاعتراف الفوري بالخطأ والندم حال انفعالنا بشكل خاطئ أمامهم.
– التأكد من وجود ما يكفي من الانشغال بالتعليم والترفيه والألعاب والحوار في البيت ما يقلل فرص الشجار كثيرًا.
– حسن متابعة الأطفال في المدرسة من حيث التعليم وعلاقاتهم بالمدرسين وزملائهم والمشرفات والعاملات في الفصل والفسحة وحافلة المدرسة وغير ذلك.
– أن يرى منًا ثباتًا دائمًا على المواقف، فلا نثور مرةً لأمر نتجاهله مرةً أخرى فيصعب ذلك علينا التحكم ويخفف من وزن كلماتنا عنده فتفقد هيبتها ولا يراعي ما نقول؛ لأنه يعلم أنه متغير بفعل الوقت والمزاج!.
– العمل الدائم على تقليل فرص الشجار وأسبابه.