عزة مختار تكتب :-
بناتنا والحب في عمر الزهور
جاءتني باكية منهارة تحاول أن تستجمع قواها كي تروي لي مصيبتها التي لم تكن تتوقعها في يوم من الأيام ، هدأت من روعها وطلبت منها أن ترتب أفكارها وتبدأ الحكاية من بدايتها فقالت : ابنتي المدللة التي وضعت كل أحلامي فيها وأعطيتها كل ثقتي فوجئت أنها قد خانت تلك الثقة وأنها علي علاقة بولد لا اعرف عنه شيئا سوي من عدة رسائل بينها وبينه قرأتها بالقدر علي جهازها المحمول وفهمت من تلك الرسائل أنها علي اتصال منذ فترة بذلك الشاب ، كانت تتحدث الأم وهي تبكي بكاءا شديدا وتشعر بالعجز وكأن فرصة ابنتها في الرجوع قد ضاعت للأبد فسألتها عن عمر ابنتها فقالت : خمسة عشر عاما …فسألتها مرة أخري عن رد فعلها تجاه الأمر وكيف تصرفت مع البنت فقالت ضربتها ضربا شديدا وهددتها بأن أخبر والدها بالأمر إذا عادت مرة أخري وأخذت منها جهاز التليفون وأغلقت عليها باب حجرتها وحرمتها من كل حقوقها وقاطعتها تماما ، فأظهرت تعجبي من ذلك التصرف وسألتها عن رد فعل ابنتها فقالت إن البنت قد فلت عيارها فهي لم تبالي بشدتي معها بل علي العكس لقد اتهمتني بالظلم وبأنني لم أعد أفهمها ولا أقدر مشاعرها ، دليني بالله عليك ماذا أفعل وكيف أتعامل مع هذا الأمر ؟
والحقيقة أنه قد هالني الأمر ، ليس أمر الفتاة وإنما أمر الأم التي تركت العلاقة بينها وبين ابنتها لتصل لهذا الحد من الفتور والغربة حتى وصلت ليس فقط إلي عدم المصارحة وإنما إخفاء كل ما يخص البنت عن أمها بل والبحث عن ذلك الحب المفتقد في البيت في مكان آخر خارجه .
قد تحدثت الأم عن الثقة والحقيقة أنها ليست ثقة وإنما هو الإهمال وعدم إعطاء الابنة حقها الكافي في الوقت الذي تحتاجه من الأم ليس فقط في هذه المرحلة الحرجة وإنما قبلها بفترة طويلة فتكون هي الصديقة والمربية والملاذ الآمن لابنتها بحسن استماعها والإنصات إليها بلا ضجر ومصاحبتها والإسرار لها ببعض ما يخصها هي شخصيا ـ بشرط أن تكون مواقف تستطيع أن تخرج منها البنت بقيمة تربوية دون أن تقوم الأم بتوجيه مباشر ـ فتشجع الفتاة أن تتحدث وتتناقش مع والدتها وتصرح بما قد يخطر ببالها أولا بأول دون خوف من صدود الأم أو ضجرها أو انتهارها بكلمة إياك وعيب ومصيبة وسوف أفعل بك أو سوف أبلغ أباك وما إلي ذلك من مصطلحات التهديد التي تنفر البنت عن أمها وتجعل لها عالمها الخاص بينها وبين نفسها أو بين صاحباتها أو صاحب تبحث عنه بنفسها أو تكون صيدا سهلا لأحدهم .
وقد تقول الأم ولكنني لم أقصر في هذا فأنا دائما ما أقوم بتوجيهها وأوصي بها معلماتها وليس عندنا في البيت ما يؤدي إلي سلوكيات معيبة فالبيت سمته العام الالتزام بشرع الله فكيف يمكن أن تنحدر البنت إلي ذلك المنحدر ؟ وهنا يجب أن تفهم الأم جيدا أن ما تمر به ابنتها في هذه المرحلة وربما قبل هذه السن بقليل أو بعدها بقليل هو شيء وارد جدا فسواء الولد أو البنت يمرون بمرحلة ما يسميها المربون المراهقة وهي مرحلة التغيير الأكبر في حياة الإنسان من الطفولة بكل ما فيها من اعتماد علي الغير سواء كان هذا الغير آباء وأمهات أو معلمين أو مربين إلي مرحلة الشباب واثبات الذات بينما هو ما زال في نظر البعض طفلا يشعر هو بهذه التغيرات الجسمانية والنفسية والميل للطرف الآخر ومحاولة التعرف عليه بصورة مختلفة عما سبق ، فبالنسبة للولد كان يقال له إن زميلتك هذه وجارتك وقريبتك هي أختك فلا يراها الآن أخته بل ويجد أن قلبه بدأ يتحرك بشكل جديد ما كان يعرفه من قبل ، بينما البنت التي كانت تتحدث إلي القريب أمام الأهل بمنتهي البراءة والأمان أصبحت تخجل ويتغير لون وجهها بل ويرتعش صوتها أحيانا حين تتحدث إليه ، وقد يمتد الأمر ليس فقط إلي الزميل أو القريب وإنما إلي المعلم نفسه في المدرسة فتصور لها نفسها أنها وقد أصبحت فتاة ناضجة مرغوب فيها يهتم بها المعلم دون غيرها من البنات فها هو ينظر إليها نظرة إعجاب مرة تلو الأخرى وها هو يشجعها علي التفوق وها هو يثني عليها دون الجميع كل هذا وهو لا يدري بما يدور في خلدها وما تبنيه في نفسها من أحلام وما تمني نفسها به من حياة مع حبيبها ……. كل هذا يعتمل في صدرها وتخجل أن تسر به لأحد إلا لصديقة مثلا أو قريبة لها في نفس السن وتعاني ما تعانيه هي شخصيا بينما الأم في عالم آخر تماما لا تستطيع أن تتفهم ما تمر به ابنتها من مرحلة شبه طبيعية ونستطيع ببعض التقدير والتفهم والتقرب أن نمر بتلك المرحلة بسلام .
وليس أقرب للبنت في هذه المرحلة من الأم والتي كما قلنا يجب أن تبدأ باكرا فلا ننتظر وقوع المشكلة ثم نبدأ في التحرك ، حسن الاستماع من الأم والمصاحبة والمراقبة دون قيود تلاحظ حتى لا تضطر البنت لإيجاد طريقة للهروب من تلك القيود ، وإشعار الفتاة بالحب وأنها مرغوب فيها من الأهل جميعا وأنها ليست عبئا عليهم أو أنهم يفضلون عليها إخوانها الذكور مثلا فتشعر بنوع من الظلم أو القهر في منزلها .
كذلك انشغال الأم في العمل أو في أمور الدعوة ليس مبررا أبدا لعدم تفهم الأم لاحتياجات البنت في كل مرحلة من مراحل حياتها وما يجب أن نأخذ به هو التحدث بصراحة تامة مع البنت عن علاقتها بالجنس الآخر فالمدرس هو والد لها تحترمه وتقدره كوالدها والتلميح لها عما يمكن أن ينتاب البنت في هذه السن من تعلق بالمدرس بطريقة ما بال أقوام ، أي أنها تقول هناك فتيات مثلا يمكن أن يظنوا أن أستاذهم ينظر إليهم بطريقة كذا وذلك في حالة إذا لاحظت الأم أن ابنتها تتحدث كثيرا عن أستاذ بعينه بإعجاب أو عن زميل وهكذا .
ماذا إذا حدثت المشكلة ؟
أما إذا اكتشفت الأم أن ابنتها فعلا قد وقعت في هذا الشرك فلا تتجه بأي وسيلة إلي العنف وإلا فالنتيجة الحتمية هي اتخاذ رد الفعل الأعنف والذي لا تحمد عقباه ، وإنما يتدارك الموقف ونتصارح بأننا قد أخطأنا جميعا وقصرنا في علاقتنا ببعضنا البعض وتعترف الأم لابنتها بالحب وتضمها إليها وتعطيها مزيدا من الحب كي تشبع تلك العاطفة لديها ولا تلجأ للتهديد ، وواجب الأم في هذه الحالة مصارحة الوالد والاتفاق علي أسلوب للعلاج يغمر البنت باحتياجاتها العاطفية خاصة من والدها أو إخوانها الذكور إن وجدوا ، ولا يجب أن تشعر البنت بمعرفة والدها للأمر حتى لا ينكسر حاجز الخوف عندها حين تعلم أنه علم ولم يفعل شيئا بل تذكرها والدتها بأنها لن تخبر والدها الذي يحبها ويثق بها .
ويبقي علي الوالدين أن يعرفا أن تلك المرحلة ما هي إلا امتداد طبيعي لما غرساه في فترة الطفولة الأولي فلنمهد لمراهقة آمنة بطفولة نهتم بها ولنعطي أبنائنا من الحب ما يكفيهم فهم غرسنا الذي لن نحصده وحدنا وإنما سيحصده المجتمع كله قبل أن نندم فلا يفيد الندم .